المجاعة في غزة- جريمة حرب صهيونية بوجه أمريكي وعجز عربي إسلامي.

المؤلف: عزت الرشق08.21.2025
المجاعة في غزة- جريمة حرب صهيونية بوجه أمريكي وعجز عربي إسلامي.

لقد بلغ عدد الشهداء الذين قضوا نحبهم جراء سياسة التجويع الممنهجة التي يتبعها الكيان الصهيوني في قطاع غزة المحاصر، رقما مروعا وصل إلى 159 شهيدا، من بينهم 90 طفلا بريئا، في مشهد يدمي القلوب. بينما يواجه أكثر من مليوني إنسان خطر المجاعة الوشيك، بمن فيهم 40 ألف رضيع يتهددهم الموت المحقق، و60 ألف امرأة حامل يعانين الأمرّين. هؤلاء الضحايا الأبرياء يوجهون صرخة مدوية إلى الإنسانية جمعاء، وإلى العالمين العربي والإسلامي على وجه الخصوص، مطالبين إياهم بالتحرك العاجل لوقف هذه الجريمة النكراء التي تجاوزت كل الحدود وتفوق كل تصور، والتي تعجز الكلمات عن وصف فظاعتها وبشاعتها.

إن النموذج الذي أبدأ به هذا المقال يوضح، وإن كان لا يبرر بأي حال من الأحوال، موقف الولايات المتحدة الأميركية المتخاذل من قضية استخدام الغذاء والدواء كسلاح من أسلحة الحرب، فالولايات المتحدة، للأسف الشديد، هي شريان الحياة الوحيد الذي يمد دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي الغطاء السياسي والمالي والعسكري الذي يحمي جيشه المتوحش في كل ممارساته اللاإنسانية، بما في ذلك جريمة التجويع الممنهج.

في خضم الحرب الأهلية الأميركية التي استمرت من عام 1861 إلى عام 1865، أقر الرئيس الأميركي آنذاك، أبراهام لينكولن، مبدأ "ليبر"، الذي يجيز للجيش الأميركي "تجويع العدو، سواء كان مسلحا أو غير مسلح"، وذلك حسب المادة 17 من هذا المبدأ. ولم تتراجع الولايات المتحدة عن هذه السياسة الوحشية إلا بعد مرور أكثر من 150 عاما على سن هذا التشريع اللاإنساني.

ولم تكن بريطانيا أقل قسوة ودموية في أحداث المجاعة الأيرلندية الكبرى التي وقعت بين عامي 1845 و1852، والتي أودت بحياة أكثر من مليون شخص، وأجبرت مليونا آخر على الهجرة والنزوح. وكان الهدف من وراء ذلك واحدا لا يتغير: تسريع استسلام المقاومة الأيرلندية الباسلة، وفرض الشروط الاستعمارية المهينة والمذلة، بعد انكسار شوكة المقاومين أمام المشاهد المؤلمة للمدنيين العزل والأطفال الأبرياء والمرضى وكبار السن، وهم يتضورون جوعا ويموتون ببطء جراء الحصار الظالم ومنع الغذاء والدواء عنهم.

أمام هذا المشهد المروع للجوع الذي يفتك بأجساد الناس في غزة بشكل وحشي، يتجاهل الاحتلال الإسرائيلي بشكل سافر كل الأطر القانونية والإنسانية والدولية التي تجرم هذا الفعل الشنيع، ويثير ذلك تساؤلات مشروعة حول مصير وجدوى اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية الملحقة بها، وعن اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر حرمان المدنيين من ضروريات ومتطلبات حياتهم الأساسية، وعن البروتوكول الأول لعام 1977 الذي يحظر استخدام التجويع كسلاح من أسلحة الحرب خلال النزاعات المسلحة، وعن أحكام القانون الدولي العرفي الراسخة، وقرار مجلس الأمن رقم 2417 الذي يدين بشدة استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، وعن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 الذي يصنف التجويع على أنه جريمة حرب يعاقب عليها القانون.

إن الاحتلال الإسرائيلي وداعميه، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، يهدفون من خلال هذا المشهد الوحشي والمأساوي إلى إعادة هندسة الوعي الجمعي الفلسطيني، والعربي المحيط بفلسطين بشكل خاص، وترسيخ معادلة خبيثة مفادها: على الجميع الرضوخ والاستسلام التام، وإلا فإن القوة الغاشمة التي استخدمت في غزة، والضربات الموجعة التي طالت داعميها، ستكون حاضرة غدا في ديار كل من يفكر مجرد تفكير في الوقوف في وجه "ما يسمى دولة الاحتلال".

إن الكيان الصهيوني يدرك تمام الإدراك أن كل أدوات التطهير في هذا الكون الفسيح لن تستطيع أن تمحو عاره المتراكم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولم يكن ليقدم على خوض حرب التجويع والحصار لولا أنه فشل فشلا ذريعا خلال أكثر من 660 يوما في كسر شوكة المقاومة الفلسطينية الباسلة أو تركيع المقاومين الأبطال، أو لولا أنه عجز عن تحرير أسراه بالقوة العسكرية، أو كسر إرادة المجتمع الفلسطيني الصامد في قطاع غزة. ولكنه، بعد هذا العجز المخزي، لجأ إلى أسوأ ما يمكن أن يصل إليه الفكر الإجرامي المتجرد من كل القيم الإنسانية والأخلاقية.

إن مشكلة الاحتلال الإسرائيلي وداعميه تكمن في أنهم حتى هذه اللحظة لم يستطيعوا فهم النفسية العربية المسلمة، ولا إدراك الطريقة التي تتعامل بها مع الأزمات والمحن، وموقفها الثابت من الاستسلام والذل، وإحساسها العميق بالعزة والكرامة. وما زال منظرو الاحتلال أعجز من أن يستوعبوا معنى الانتماء للوطن والأرض.. وسيبقون كذلك إلى الأبد.

وهنا أكرر أبيات الشعر الخالدة التي قالها الشهيد القائد محمد الضيف في تسجيله المصور:

كما أنت هنا، مزروعٌ أنا

ولي في هذه الأرضِ آلافُ البُذور

ومهما حاوَل الطُغاةُ قلعَنَا

ستنبتُ البذور

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة